mercredi 25 juillet 2012

بأي جمهورية جئت يا عيد ؟


مقال ممتاز لكريم الماجري يستحق النشر

يحل عيد الجمهورية ولم يبق من الجمهورية فينا إلا شيء من الموز"

أحيانا يخيل لي أن أصل الداء هو حزب المؤتمر من أجل الجمهورية الذي قسم المجتمع والدولة إلى فسطاطين : فسطاط الحق (وهم كل من أعجب بأفكار المرزوقي ومشى على نهجه أو هادنه، بما فيهم النهضة) وفسطاط الباطل (وهم كل من خالف ذلك). سمّى الفسطاط الأول ثورة، والثاني ثورة مضادة. المؤتمر من أجل الجمهورية لا يعرف درجات الرمادي ولا يعترف إلا بالأبيض أو الأسود، وقد وصل إلى الحكم في غفلة من الزمن ومن الناس، حين كان لا يزال الشعب سكرانا بمفعول الثورة. سيسجل التاريخ أن المراسيم التي وقع عليها فؤاد المبزع، رئيس مجلس نواب بن علي لأكثر من 10 سنوات، والقيادي في حزب التجمع المنحل، هي أكثر ثورية بألف مرة من قوانين المرزوقي وقراراته وطلعاته السياسية. لقد خيل للمرزوقي أنه بإمكانه خلق حزب يحكم تونس بحفنة من المحامين والحقوقيين في حين أنه هو نفسه لا يملك أدنى مقومات رجل الدولة (ما عدا بعض الفصاحة بالعربية والفرنسية، أقول فصاحة، لا خطابة). ما نراه اليوم هو فصل آخر من فصول "مأساة الرئيس"، مسرحية بلغت من التراجيديا درجة لم تبلغها مسرحيات الإغريق... دراما أعمق بكثير من المسلسلات المصرية، حيث أن رفقاء درب الرئيس انفضوا من حوله في منتصف الطريق وانقسم حزبه نصفين أو ثلاثة أو أكثر... لم ير الناس في هذه البلاد أبدا حزبا حاكما يُعرِض الناس عنه كأنه الطاعون كما تراهم يُعرِضون اليوم عن المؤتمر من أجل الجمهورية... كانت الفكرة بالأساس جميلة... جميلة وغير صالحة بالمرة : تجميع المعارضين الراديكاليين دون لون إيديولوجي في حزب واحد... لكنه حزب انتقل إلى عداد المرحومين يوم 23 أكتوبر... كانت الفكرة أصلا غلطة، كأن تقول : سأخلط الزيت بالماء... أو كأن تقول : سأتحالف مع الإسلاميين للوصول إلى قرطاج...

قرطاج هي الأخرى أصل الداء، ورمز السلطة الذي يغري بريقه كالذهب اللماع... لم تكن هنالك فكرة أخرى تقريبا في رأس المرزوقي عدا الوصول إلى الرئاسة... الإسلاميون وحدهم فهموا ذلك منذ البداية، لذلك قبلوا برئاسة المرزوقي بعد أن أفرغوا الرئاسة من محتواها. رئيس بلا سلطات، وربما كان ذلك أفضل. لأنه لو كانت للرئيس سلطات أوسع لربما كانت معاناتنا أكبر... كأن يعلن الرئيس مثلا الإنصهار من جانب واحد في الدولة الجزائرية، أو كأن يفتح الحدود بقرار أحادي بين المغرب والجزائر... الرئيس، باعترافه هو، يحكم في دولة وجدها "خرابا" لذلك أول ما وصل للحكم قيّم فيها الآذان. الرئيس يثأر لأبيه ولصالح بن يوسف، بينه وبين الدولة التونسية عداوة دفينة تجاوزت الأشخاص (بورڨيبة وبن علي) لتمس المؤسسات. لذلك كلما وجد شيئا غير الخراب فعل كل ما بوسعه ليجعله خرابا، بما في ذلك المؤسسات (خاصة المؤسسات)، بما في ذلك القانون (خاصة القوانين التي أمضاها هو). لأن بن علي كان يردد أن تونس هي "دولة القانون والمؤسسات"، قرر المرزوقي أنه لا يوجد في تونس لا قانون ولا مؤسسات. عقلية الرئيس وعقلية المؤتمر من أجل الجمهورية هي الإنطلاق من أن كل ما نطق به بن علي باطل. فلو قال بن علي أن الشمس تشرق من الشرق لأصدر المرزوقي قانونا يلزم الشمس بالشروق من الغرب. لكن أنى له ذلك، وهو ذو الصلاحيات المحدودة ؟

نعيش اليوم غربلة جديدة للساحة السياسية، وأكاد أجزم أن 80% ممن نراهم اليوم في مواقع السلطة كما في المعارضة سينقرضون عن قريب جدا. بداية لأن عددا كبيرا منهم من الديناصورات التي تركت مستقبلها وراءها. وثانيا، وهو الأهم، لأن الإنتخابات لا تسامح أبدا. مشكلة النهضة أنها تحكم دولة عذراء من ناحية التقاليد الديمقراطية، وهي لا تبدو قادرة على تخيل حجم المصيبة التي ستنزل عليها في الإنتخابات القادمة. النهضة تراهن على النزعة المازوشية للشعب التونسي التي جعلته يصوت لبن علي خمس مرات متتالية بأكثر من 90 في المائة (لنقل 60% دون اعتبار التزوير). وهي تتصور أنها ستربح لأربع مرات أخرى على الأقل، وذلك كاف لإقامة الخلافة الراشدة السادسة والسابعة والثامنة والتاسعة. مشكلة النهضة الأساسية (عدا أنها تتصور أن الكفاءة في السياسة تقاس بعدد سنوات السجن) هو إصرارها على الخطأ وعلى تكرار الخطأ. في الديمقراطيات التي تحترم نفسها يقوم رئيس الحكومة بتحوير وزاري قبل نهاية المائة يوم إن إقتضى الوضع العام ذلك. لكن حمادي الجبالي وحكومته المعينة من المرشد الأعلى لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها. حكومة تحكم بالإشارات الربانية وبالقرارات التي لا يعرف أحد لماذا اتخذت، بما في ذلك مناضلو النهضة أنفسهم (وذلك لا يمنعهم من الإستماتة في الدفاع عن تلك القرارات مهما كانت عبثية). لا أحد يفهم لماذا أقيل محافظ البنك ولماذا عين الشاذلي العياري مكانه. لا أحد يعرف لماذا تم تسليم المحمودي. لا أحد يعرف تاريخ الإنتخابات القادمة. لا أحد يعرف لماذا تتمسك الحركة بالنظام البرلماني (ولعل في النظام البرلماني فائدة كبرى للوطن لا تعلمها إلا النهضة وقد أعمانا الله عن رؤيتها، فلماذا لا تنيرنا بها ؟). النهضة تتعامل مع الشعب ومع مناضليها القاعديين وحتى مع نواب الشعب بعقلية الوصاية. "أسكت، بوك يعرف خير منك". "شكونك انتي باش تناقش سيدك ؟ ولدت البارح راك !". وببوش بومصة الذي ولد البارحة يستكين إلى النهضة ويعطيها ثقته العمياء لأنها "ستنظف البلاد". جيل الياغرت الذي اعتقدنا لوهلة أنه أشجع وأذكى وأنبل جيل أنجبته هذه الأرض، سلم مستقبله عن طواعية إلى مجموعة من المنفيين السياسيين وسجناء الرأي السابقين، معتقدا اعتقادا جازما أن الحكومة الشرعية المنتخبة ستحقق أهداف الثورة. مرت 7 أشهر ولم تنظف البلاد بل زادت اتساخا، حتى في العقليات، خصوصا في العقليات. والتونسي الذي صارت له كرامة فجأة بعد الثورة تخلى طواعية عن كرامته وأصبح يردد "زايد، يا ولدي زايد". كما أصبح يذكرك بواجب "الهجّان" من الوطن لمن استطاع إليه سبيلا، كركن خامس من أركان حب هذا الوطن والذود عنه. 

 أيها الشباب، يا جيل الكابتن ماجد وجيل الياغرط، أيها الببوش بومصة : إن لم تحترق أنت ولم أحترق أنا فمن سينير لنا الطريق ؟ لنكن واضحين هنا : إن مغادرة المركب في هذه اللحظة هي موافقة مبدئية على تحويل الجمهورية الثانية إلى جمهورية الموز. موز حلال طبعا، صادقت عليه دار الإفتاء السعودية، لكنه موز على كل حال. على الأقل جمهوريات الموز التي نتهكم عليها لديها موز تصدره، أما نحن فماذا لدينا ؟ ظلف الهندي أم باقات البُكّ ؟ أم لدينا بعض مركبات النقص والتهاب في الهوية وأمراض أخرى جنسية وغير جنسية. عفوا، أنتم صائمون... خدشت مشاعر الصائمين فعذرا لأني ذكرت الموز والجنس وكذب الحكومة. ولو أن الحكومة صامت عن الكذب يوما واحدا لربما غفر لها الشعب بعضا من ذنوبها. لكنها الحكومة، لا تتوب، ولكنه الشعب، لا يرحم


Crédit image : Willis from Tunis
 

Aucun commentaire :